يامسلمي العالم:
أنتم أغنى الناس بالثروات التي أودعها الله ذخراً في أوطانكم.
وأنتم أقوى الناس بما تملكون من حوافز الوحدة والتضامن فيما بينكم.
وأنتم أعز الناس بما أوتيتم من القيم الإنسانية الراشدة، ودعائم الحضارة المثلى، والعقائد الإيمانية التي يسجد لها العلم.
ولاريب أن هذه المزايا الثلاث ترشحكم لتبوؤ مركز القيادة على مستوى الأسرة الإنسانية في العالم، لو تعاملتم معها وحفلتم بها.
غير أنكم حكمتم على أنفسكم بالتخلّي عن هذه المزايا الثلاث، عندما اتخذتم قراركم النافذ بأن تركنوا إلى الشقاق بدلاً عن الوفاق، وبأن تؤثروا الخصام فيما بينكم على الوداد، وبأن تتلمسوا مبررات النزاع، بدلاً من التعامل مع ماهو متوافر وكثير أمامكم من موجبات الاتفاق والوئام.
لقد نسي العالم أمام النقع الذي يتعالى متزايداً من آثار خصوماتكم المهتاجة، أثر الإسلام العجيب في توحيد القبائل المتعادية، وضفر المشاعر المتنافرة، بالأمس، فلم يعد يعرف إلاّ مايفرزه واقعكم (الإسلامي) اليوم من التناحر المتزايد فيما بينكم، ومن تسلط كل عضو منكم بالإتلاف على العضو الآخر، وأنتم الذين كنتم يوماً ما كالجسد الواحد!!..
أما إنه لثمن رخيص جداً هذا الذي أخذتموه لبيع ثرواتكم الظاهرة والباطنة، وللتخلي عن مركزكم الحضاري وعن مصدر قوتكم التي شهدت لكم بها القرون المنصرمة.
ولست أدري أتئنّون اليوم من الثمن البخس الذي تقاضيتموه، بل تحملتموه، أم إنكم تئنون من التبعات الثقيلة التي تأخذ اليوم منكم بالخناق.
بأي منطق تتعاملون أيها المسلمون؟
إن كنتم لاتزالون تتعاملون بمنطق إسلامكم الذي عاهدتم عليه، فإن إسلامكم هذا مازال يناديكم قائلاً: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:3/103] ويلاحقكم بتحذيره {وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:8/46].
وإن كنتم تتعاملون بمنطق المصالح فليس في الناس كلهم غبي لايعلم أن مصالحكم كلها رهن باتحادكم وتضامنكم.
وإن كنتم تتعاملون بمنطق القوميات فاهنؤوا بمزيد من الشقاق والتشرذم، ولتعلموا أن منطق القوميات كان ولايزال السلاح الذي قوضت به بريطانيا وحدتكم وحطمت به طوق خلافتكم.
يامسلمي العالم:
ليس أمامكم من علاج لما ترزحون تحته من مصائب وما تئنون منه من تخلف، وما تشكون منه - على الرغم من غناكم - من الحاجة والفقر، إلا أن تعودوا إلى سابق وحدتكم وتضامنكم.
ولن تعودوا إليها إلا إن جذبكم إليها محور جامع، وليس المحور الجامع بالنسبة إليكم إلا الإخلاص والصدق في انتمائكم إلى الإسلام.
فإن عز عليكم وضع هذا المحور الجامع واكتفيتم بالهتافات والشعارات عن الصدق في التعامل مع الله، فلسوف تنحطّون إلى مزيد من الشقاق والتشرذم، ولسوف تبتلعكم عولمة الغرب، ولسوف تشلّكم ثم تسحقكم عجلة ((نظام التجارة العالمية)) ولسوف تتحولون إلى قطعة من جهاز تدور في فلك المصالح الغربية.
وبوسعكم عندئذ أن تُصغُوا جيداً إلى حديث الدهر وهو يترجم كلمة عمر بن الخطاب: ((نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما طلبنا العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله)